معاهد السلوك الصوفي: إرث نفيس للثقافة الإسلامية في تابانولي يستحق الصون
تمثل معاهد السلوك الصوفي (بوندوك بارسولوكان) كنزًا ثمينًا من تراث الإسلام في منطقة تابانولي بإندونيسيا، وجب علينا جميعًا العمل على صونه والحفاظ عليه. لقد كانت هذه المعاهد على مر العصور مؤسسات عريقة في إندونيسيا لعبت دورًا محوريًا في إحداث التغيير الاجتماعي، شأنها في ذلك شأن المدارس الدينية (بيسانترين)، والمعاهد الإسلامية (داياه)، والمساجد الصغيرة (سوراو)، وغيرها من المؤسسات التعليمية التقليدية.
تأتي كلمة "بارسولوكان" في الأصل من الكلمة الملايوية "برسولوكان". وقد شهدت هذه الكلمة عملية استيطان لغوي في أرض تابانولي، حيث طرأت عليها تغييرات صوتية لتتوافق مع اللهجة المحلية، لتصبح في النهاية تُعرف باسم "بارسولوكان". هذا التحول اللغوي يعكس عمق اندماج الثقافة الإسلامية والتصوف في نسيج المجتمع التابانولي.
تعني كلمة "بارسولوكان" لغويًا المكان المخصص لممارسة نشاط "السلوك"، وهو أحد الممارسات الروحية التي استوطنت المنطقة بعد أن أصبح العديد من الشيوخ من أبناء باتاك خلفاء صوفيين في مختلف قرى تابانولي. وقد أسس هؤلاء الخلفاء معاهد السلوك الصوفي كمراكز لنشر تعاليم التصوف وتربية الروح لدى أفراد المجتمع.
لم يقتصر دور معاهد السلوك الصوفي على الجانب الروحي والعبادي فحسب، بل تجاوز ذلك ليساهم بشكل فعال في تشكيل شخصية مجتمع تابانولي، وغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية والحكم المستمدة من تعاليم الإسلام. فمن خلال الأنشطة الدينية، والدروس، والتوجيهات الروحية التي تُقام في هذه المعاهد، تربى أفراد المجتمع على الأخلاق الحميدة، والتسامح، والتكافل الاجتماعي، والاهتمام بالآخرين.
باعتبارها مؤسسات تعليمية غير رسمية، لعبت معاهد السلوك الصوفي دورًا هامًا في تطوير المعرفة الدينية. فالشيوخ والعلماء الذين يشرفون على هذه المعاهد لم يقتصروا على تدريس العبادات والتصوف، بل قاموا أيضًا بتدريس العلوم الإسلامية الأخرى مثل الفقه، والتوحيد، وتفسير القرآن الكريم. وبذلك، ساهمت هذه المعاهد في إثراء الحياة الفكرية للمجتمع وتخريج أجيال من المسلمين التابانوليين المتعلمين والذين يتمتعون بأخلاق فاضلة.
علاوة على ذلك، كان لمعاهد السلوك الصوفي دور حيوي في الحفاظ على التقاليد والثقافة المحلية في تابانولي التي تتوافق مع القيم الإسلامية. بل إن بعض هذه المعاهد أصبحت مراكز لتنمية الفنون والثقافة الإسلامية مثل فن الخط العربي، والموسيقى ذات الطابع الإسلامي، والتقاليد الشفوية التي تحمل رسائل دينية وحكمًا محلية. وهذا يدل على مدى الانسجام والتكامل بين الإسلام والثقافة المحلية في تابانولي.
ومع الأسف، تواجه معاهد السلوك الصوفي في تابانولي تحديات متزايدة في ظل التطورات العصرية وتيارات الحداثة القوية. فقد شهد بعض هذه المعاهد تراجعًا بل ويواجه خطر الاندثار بسبب قلة الاهتمام، وعدم استمرار الأجيال المتعاقبة في إدارتها، وتغير نمط حياة المجتمع الذي يبتعد تدريجيًا عن القيم التقليدية والروحية.
في حين أن معاهد السلوك الصوفي تمثل رصيدًا ثقافيًا وتاريخيًا لا يقدر بثمن لمجتمع تابانولي وإندونيسيا ككل. إن وجودها يذكرنا بجذورنا الروحية وحكمتنا المحلية التي شكلت هوية مجتمع تابانولي على مر القرون. وإذا ما اندثرت هذه المعاهد، فإننا سنفقد أثرًا هامًا من كنوز الثقافة الإسلامية الفريدة والغنية في الأرخبيل الإندونيسي.
لذلك، يصبح العمل على صون معاهد السلوك الصوفي في تابانولي ضرورة ملحة لا يمكن تأجيلها. ولا تقع مسؤولية هذا الصون على عاتق الحكومة المحلية والشخصيات الدينية فحسب، بل على جميع مكونات مجتمع تابانولي. ويتعين اتخاذ خطوات عملية لضمان استمرار وجود ودور هذه المعاهد الفعال في خضم ديناميكيات العصر.
تتمثل إحدى الخطوات الهامة في إجراء عملية إحياء للمعاهد التي تعاني من أوضاع متردية. يشمل هذا الإحياء ترميم المباني المادية، وإصلاح أنظمة الإدارة، وتطوير البرامج التعليمية والأنشطة الدينية التي تتناسب مع احتياجات المجتمع الحالية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب بذل جهود لزيادة وعي المجتمع، وخاصة جيل الشباب، بأهمية معاهد السلوك الصوفي باعتبارها تراثًا ثقافيًا وروحيًا يستحق الحماية والصون. وينبغي إدراج التثقيف بتاريخ وقيم ودور هذه المعاهد في حياة مجتمع تابانولي في المناهج التعليمية الرسمية وغير الرسمية.
كما أن دعم الحكومة المحلية في شكل سياسات وتخصيص ميزانيات أمر ضروري لدعم جهود صون معاهد السلوك الصوفي. يمكن للحكومة تقديم مساعدات مالية للترميم، وتدريب للقائمين على إدارة المعاهد، والترويج لهذه المعاهد كوجهات سياحية دينية وثقافية.
ويعد الدور الفعال للشخصيات الدينية والعلماء وشيوخ القبائل أمرًا بالغ الأهمية في جهود الصون هذه. فهم يستطيعون أن يكونوا القوة المحركة لإعادة إحياء الأنشطة في المعاهد، وتقديم التوجيه الروحي للمجتمع، والحفاظ على قيم التقاليد والحكمة المحلية التي تنطوي عليها.
ولا يقل أهمية عن ذلك المشاركة الفعالة من قبل مجتمع تابانولي نفسه. يجب تنمية وتعزيز الشعور بالانتماء والفخر بالتراث الثقافي لمعاهد السلوك الصوفي. يمكن للمجتمع المشاركة في الأنشطة التي تُقام في المعاهد، وتقديم الدعم المعنوي والمادي، ونقل المعرفة حول هذه المعاهد إلى الأجيال القادمة.
من خلال التضافر والتعاون بين الحكومة، والشخصيات الدينية، والمجتمع، ومختلف الأطراف المعنية، من المؤمل أن تستمر معاهد السلوك الصوفي في تابانولي في الازدهار والبقاء ذات صلة في خضم تطورات العصر. لن يقتصر وجودها على إثراء كنوز الثقافة الإسلامية في إندونيسيا، بل ستظل أيضًا ركيزة روحية وأخلاقية لمجتمع تابانولي، تورث القيم النبيلة والحكمة المحلية للأجيال القادمة. فمعاهد السلوك الصوفي هي آثار صوفية يجب الحفاظ عليها، وأعمدة للثقافة الإسلامية يجب صيانتها، من أجل تقدم وازدهار تابانولي في الحاضر والمستقبل.
0 تعليق