علماء مانديلينج ومكة: مصابيح العلم في الأرخبيل
لطالما عُرفت أرض مانديلينج ناتال في سومطرة الشمالية بأنها منجم فكري للإسلام في إندونيسيا. فقد أنجبت هذه المنطقة علماء كاريزميين نهلوا العلم من مركز الحضارة الإسلامية، مكة المكرمة. وعند عودتهم إلى الوطن، لم يصبح هؤلاء العلماء خلفاء لرسالة النبوة فحسب، بل كانوا أيضًا أركانًا مهمة في تقدم التعليم والدعوة والحياة الاجتماعية الدينية في إندونيسيا.
تُخلد صورة عام 1983 لحظة تآزر بين عدد من علماء مانديلينج ناتال، وهو مشهد مليء بالمعاني والتاريخ. وفي الصورة، يظهر أيضًا عصا ممسكة، وهي رمز يذكر بشخصية الشيخ أحمد ياسين الفداني، عالم من مينانغكابو كانت له أيضًا بصمة علمية عميقة في مكة المكرمة. يبدو حضور هذه العصا وكأنه رابط روحي بين مدرستين علميتين كبيرتين في الأرخبيل لهما جذور في الحرمين الشريفين.
من بين صفوف علماء مانديلينج ناتال الذين أثروا تاريخ العلم في إندونيسيا، الشيخ الحاج عبد الله مصطفى ناسوتيون (1921-1995). كان مديرًا لمعهد مصطفوية الإسلامي، إحدى أقدم وأكثر المؤسسات التعليمية الإسلامية تأثيرًا في سومطرة الشمالية، وذلك من عام 1955 إلى عام 1995. لقد أثمر تفانيه في تطوير المعهد عن تخريج آلاف الخريجين الذين شغلوا مناصب في مختلف المجالات.
ثم هناك اسم الشيخ الحاج شمس الدين الحافظ المانديلي (حسبوان)، المعروف أكثر باسم توان جاكرتا (1908-1991). شغل منصب رئيس المعلمين في معهد مصطفوية الإسلامي من عام 1980 إلى عام 1991. كانت بصمته العلمية عميقة للغاية، بالنظر إلى أنه كان خريجًا من الفلاح في مكة المكرمة، وقضى 26 عامًا (1925-1951) يتتلمذ على علماء المسجد الحرام، المصدر الرئيسي للعلوم الدينية الإسلامية.
عالم بارز آخر هو الشيخ الحاج جعفر تانجونج، أو المعروف باسم توان موسير (1911-1992). كان معلمًا محترمًا في معهد مصطفوية الإسلامي. كان تعليمه مرموقًا أيضًا، حيث كان خريجًا من الأزهر الشريف في مصر، وقضى 5 سنوات (1931-1936) ينهل العلم في أرض الفراعنة.
بعد ذلك، هناك الشيخ الحاج علي حسن الحافظ الداري (حسبوان)، المعروف باسم توان بينتو بادانج جولو (1917-1997). كان خريجًا من دار العلوم في مكة المكرمة، وقضى 15 عامًا (1927-1942) يتعمق في العلوم الدينية في المسجد الحرام. لقد شكلت تجربته في الحرمين الشريفين شخصيته وعلمه بشكل كبير.
لا ننسى أيضًا الشيخ الحاج عبد الحليم كاتب لوبيس، أو توان نا بوزو (1901-1992). شغل منصب رئيس المعلمين في معهد مصطفوية الإسلامي من عام 1955 إلى عام 1980. كان خلفيته التعليمية خريجًا من الصولتية في مكة المكرمة، وقضى أيضًا 8 سنوات (1927-1935) يتتلمذ على علماء المسجد الحرام.
أخيرًا في هذه القائمة الشيخ الحاج عبد الوهاب لوبيس، أو توان موارا مايس (1914-1991). كان أيضًا خريجًا من دار العلوم في مكة المكرمة، وقضى 8 سنوات (1934-1942) ينهل العلم في المسجد الحرام.
عاد هؤلاء العلماء البارزون من مانديلينج ناتال، مسلحين بعلم عميق من مكة المكرمة، إلى إندونيسيا وكرسوا حياتهم لتقدم الأمة. وأصبحوا قادة ومعلمين في المعاهد الإسلامية، موجهين آلاف الطلاب ليصبحوا جيلًا قادمًا من الأمة يتمتع بالأخلاق الحميدة والمعرفة الواسعة.
لم يقتصر دورهم على عالم التعليم الرسمي في المعاهد الإسلامية. بل كانوا نشطين أيضًا في أنشطة الدعوة في المجتمع، يقدمون المحاضرات والنصائح والتوجيه الروحي للمسلمين في مختلف أنحاء البلاد.
لقد كانت حياتهم البسيطة وقدوتهم الحسنة مصدر إلهام للكثيرين. علموا أهمية العلم الديني كأساس للحياة، ومارسوه في حياتهم اليومية.
لا يزال أثر العلم والروحانية لهؤلاء العلماء من مانديلينج، خريجي مكة المكرمة، محسوسًا حتى اليوم. ولا يزال معهد مصطفوية الإسلامي، باعتباره أحد أهم إرثهم، يُخرج علماء ومثقفين مسلمين يساهمون في خدمة الأمة والوطن.
تُعدّ قصة حياتهم وجهادهم جزءًا مهمًا من تاريخ تطور الإسلام في إندونيسيا. إنهم مثال حي لكيفية تطبيق العلم المكتسب في الأراضي المقدسة لخدمة الأمة في الوطن.
يستحق حماسهم في طلب العلم وتطبيقه أن يقتدي به شباب المسلمين اليوم. لقد علموا أن العلم الديني والمعرفة العامة يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب لتحقيق التقدم الحقيقي.
يُعدّ وجود صورة عام 1983 شاهدًا صامتًا على قوة الأخوة والتآزر بين علماء مانديلينج ناتال البارزين. لقد دعموا بعضهم البعض وقووا بعضهم في أداء مهمتهم النبيلة.
إن الإرث الفكري والروحي الذي تركوه هو ثروة لا تقدر بثمن للأمة الإندونيسية. يقع على عاتق الجيل القادم مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث وتطويره ليستمر في إفادة الأمة.
لقد أثبت علماء مانديلينج خريجو مكة المكرمة أن حب العلم والتفاني في خدمة الدين يمكن أن يُنتجا قادة عظماء يقدمون مساهمات كبيرة في تقدم الأمة والوطن.
تُعدّ قصص
نجاحهم مصدر إلهام للطلاب والدارسين لمواصلة الحماس في طلب العلم، سواء داخل البلاد أو خارجها. سيظل دورهم كمصابيح للعلم في الأرخبيل يُذكر ويُقدر من قبل الأجيال المسلمة الإندونيسية. إنهم أبطال مجهولون كرسوا حياتهم لتقدم الأمة والوطن.
.
0 تعليق