علماء المانديلينغ يؤسسون نهضة إسلامية في سيبيروك
سيبيروك – لا يمكن فصل تاريخ الحضارة الإسلامية في جنوب تابانولي عن الدور الكبير الذي لعبه العلماء الذين وضعوا أسس التقدم الاجتماعي والتربوي منذ مطلع القرن العشرين. ومن بين الشخصيات البارزة في هذا المجال، يبرز اسم الشيخ محمد يونس حورابا، العالم الجليل من منطقة حورابا في مانديلينغ، الذي لم يُعرف فقط بعلمه، بل أيضًا بتفانيه في بناء مجتمع سيبيروك الشامل.
وُلد الشيخ محمد يونس عام 1894 في قرية حورابا الواقعة في قلب منطقة مانديلينغ، ونشأ في بيئة دينية قوية. دفعه شغفه بالعلم إلى السفر إلى مكة المكرمة، حيث نهل من علوم الشريعة والتصوف التي أصبحت فيما بعد زاده في إصلاح المجتمع عند عودته إلى وطنه.
لم تكن عودته من مكة مجرد رحلة جسدية، بل كانت بداية لمسيرة فكرية وروحية أحدثت تغييرًا عميقًا في سيبيروك. وبطلب من كبار الشخصيات التقليدية في المنطقة، والمعروفين بـ"نامورا ناتوراس"، قرر الشيخ الإقامة في سيبيروك والتفرغ لخدمة الناس منذ عام 1865.
كانت بداية نشاطه الإصلاحي من خلال بناء مسجد رايا سيبيروك، الذي أصبح مركزًا للأنشطة الدينية والثقافية في المنطقة. كان المسجد نقطة انطلاق للنهضة الإسلامية المحلية، وجذب الناس للصلاة والتعلم والتجمع.
لكن الشيخ محمد يونس لم يكتفِ ببناء المساجد، بل أسس أيضًا مؤسسات تعليمية تُعنى بتعليم الأطفال والشباب مبادئ الإسلام وأخلاقه. كان يؤمن أن مفتاح تقدم الأمة يكمن في العلم والتربية منذ الصغر.
بفضل جهوده في التعليم، بدأ المجتمع في سيبيروك يشهد تحولًا تدريجيًا، حيث أصبح الناس أكثر التزامًا بالقيم الإسلامية وأكثر تنظيمًا في حياتهم الاجتماعية، مع الحفاظ على التقاليد المحلية المتناغمة مع الدين.
أصبح دور الشيخ محمد يونس في البناء الاجتماعي معترفًا به ليس فقط في سيبيروك، بل في المناطق المجاورة أيضًا. واكتسبت سيبيروك سمعة كمركز للتعليم الإسلامي، وخرجت منها أجيال من العلماء الذين واصلوا نشر العلم والدعوة.
ومن أبرز تلاميذه الشيخ شكور لابوو من منطقة باراو سورات، الذي اشتهر بالعلم والورع، وساهم في استمرار مسيرة التعليم والدعوة التي بدأها أستاذه، حتى أصبح من الأسماء اللامعة في أنغكولا ومانديلينغ.
كما واصل أحد أبناء الشيخ، وهو الشيخ أحمد دي سيبيروك، مسيرة والده في نشر العلم والدين. وقد لعب دورًا مهمًا في ترسيخ دعائم الإسلام وتعليم الناس في المنطقة، مما يعكس قوة التربية والتعليم في بيت الشيخ محمد يونس.
أصبح هذا البيت منارة علمية وروحية، وانتقلت رسالته من جيل إلى جيل. وقد ساهمت أسرته في ترسيخ نهج متكامل يجمع بين العلم والعمل والدعوة في المجتمع المحلي.
مع مرور الزمن، استمرت آثار الشيخ في الظهور على واقع المجتمع، إذ أصبح الناس أكثر وعيًا بأهمية العلم والدين في حياتهم، وأصبح ذلك إرثًا يفتخر به أهالي سيبيروك حتى اليوم.
أنشأت العديد من المدارس والمعاهد لاحقًا على أساس النموذج التعليمي الذي وضعه الشيخ، حيث تم دمج العلوم الدينية مع التربية الأخلاقية والاجتماعية.
ومن خلال مساهماته، لم تعد سيبيروك مجرد بلدة صغيرة في جنوب تابانولي، بل أصبحت مركزًا علميًا ودعويًا له أثر واسع في نشر الإسلام في شمال سومطرة.
لقد أثبت الشيخ محمد يونس حورابا أن العالم ليس فقط من يخطب في المحراب، بل هو أيضًا من يُصلح المجتمع ويبني أسسه من خلال العلم والقيم.
ولا تزال ذكراه حية في ذاكرة سكان سيبيروك ومانديلينغ، كما أن المسجد الذي أسسه، والمدارس التي أنشأها، شاهدة على نضاله وتفانيه في خدمة الدين والمجتمع.
يرى المؤرخون المحليون أن العلماء أمثال الشيخ محمد يونس يمثلون نقطة تحول في تاريخ النهضة الإسلامية في المنطقة، لأنهم جمعوا بين التعليم والإصلاح الاجتماعي في آنٍ واحد.
ويُعد الشيخ نموذجًا يُحتذى به من قِبل الشباب الذين يطمحون لخدمة أمتهم من خلال بناء مجتمعات قائمة على العلم والإيمان.
ويواصل المجتمع المحلي الحفاظ على هذا الإرث من خلال تكريم العلم والعلماء، ونشر القيم التي غرسها الشيخ في أرجاء سيبيروك ومحيطها.
وقد أصبحت أسماء العلماء الذين تخرجوا من تحت راية هذا التعليم تمثل هوية دينية وثقافية للمنطقة، وتُعد مصدر فخر واعتزاز لسكانها.
لقد أثبت الشيخ محمد يونس حورابا أن العالم الصادق يستطيع أن يُحدث تغييرًا كبيرًا في أمته من خلال الإخلاص والعلم، وأن رسالته ستظل خالدة في القلوب والأذهان.
0 تعليق