الشيخ إسماعيل الحراحب... عالم استُشهِد في سبيل الله لاستقلال إندونيسيا


الشيخ إسماعيل الحراحب... عالم استُشهِد في سبيل الله لاستقلال إندونيسيا

تانجونغ بالاي – في سجل نضال الاستقلال الإندونيسي، لم يكن المقاتلون فقط من حملوا السلاح، بل كان للعلماء أيضًا دور محوري في إشعال روح المقاومة وتوجيه الأمة نحو الحرية. ومن أبرز هؤلاء العلماء البارزين الذين ضحّوا بحياتهم في سبيل الوطن، الشيخ الشهيد في سبيل الله إسماعيل بن عبد الوهاب الحراحب، أحد رموز العلم والمقاومة في سومطرة الشرقية.

وُلد الشيخ إسماعيل عام 1897 في قرية كوم بيلك، باغان أساهان، من أب يُدعى الحاج عبد الوهاب الحراحب المنحدر من هوتا إمبارو في بادانغ لواس، ومن أم تُدعى سريامان. نشأ في بيئة دينية محافظة، حيث تلقّى تعليمه الأوليّ في المدارس المحلية ثم واصل تعليمه الديني على يد الشيخ هاشم توا وعدد من العلماء الآخرين في تانجونغ بالاي، التي كانت آنذاك مركزًا مهمًا للعلم والدين في سلطنة أساهان.

في عام 1925، سافر إلى مكة المكرمة لتوسيع معرفته الدينية، وبقي فيها خمس سنوات، اجتهد فيها في طلب العلم وأداء فريضة الحج، والتقى بعلماء من مختلف أرجاء العالم الإسلامي. لكن طموحه العلمي لم يتوقف عند ذلك، فقد انتقل في عام 1930 إلى جامعة الأزهر بالقاهرة لمواصلة دراسته العليا.

في الأزهر، أنهى الشيخ إسماعيل عدّة مراحل تعليمية رفيعة، منها الشهادة العالية، ثم شهادة العالمية، ثم شهادة كلية الشريعة، وأخيرًا التخصص، الذي كان يُعدّ في ذلك الوقت معادلاً لدرجة الدكتوراه. هذه الرحلة العلمية جعلته من كبار علماء زمانه في منطقة سومطرة.
عاد إلى الوطن متسلحًا بالعلم والروح النضالية. ومع تصاعد الاحتلال الياباني ثم عودة الاستعمار الهولندي، لم يتردد الشيخ إسماعيل في إعلان موقفه الحازم. قام بعمل جريء اعتبره الكثيرون عملًا بطوليًا حين أنزل علم اليابان من مكتب "غون ساي بو" في تانجونغ بالاي، متحديًا بطش الاحتلال العسكري الياباني.

لم يقتصر نضاله على الميدان السياسي، بل وظف قلمه في سبيل الاستقلال. تولّى رئاسة تحرير مجلة الإسلام الحر، التي غيّر اسمها لاحقًا إلى روح الاستقلال، ليبثّ من خلالها الوعي الوطني والديني بين أبناء الأمة.

وبعد الاستقلال، ولحاجة المنطقة إلى كفاءات لإدارة الشؤون الدينية، عيّنه الحاكم الإقليمي السيد ت. م. حسن عام 1946 رئيسًا لبيت المال التابع لديوان الشؤون الدينية في بيماتانغ سيانتار، ليواصل هناك عمله في تنظيم الحياة الدينية والاجتماعية.

لكن ما إن اندلعت الحرب من جديد في شكل العدوان الهولندي الأول عام 1947، حتى أصبح الشيخ إسماعيل أحد أهداف الاستعمار المباشرة بسبب نشاطه المؤثر وموقفه الحاسم ضد الاحتلال. لجأ مؤقتًا إلى جزيرة سيماردان لتفادي الاعتقال، ولكن أثناء عودته إلى منزله في شارع تابلولي، حيّ سيبيروك، يوم الأحد 24 أغسطس 1947، أُلقي القبض عليه من قِبل الجنود الهولنديين في تمام الساعة العاشرة صباحًا.

وفي الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم نفسه، دون محاكمة أو دفاع، تمّ تنفيذ حكم الإعدام فيه رميًا بالرصاص. استشهد الشيخ إسماعيل عن عمر يناهز الخمسين عامًا، ودُفن في سجن سيماردان، حيث أسدل الستار على فصل بطولي من فصول النضال الإندونيسي.

كان استشهاده صدمة لأبناء منطقته ولكل من عرفه، لكنه خلّد اسمه في ذاكرة الأمة. لقد كان عالمًا، ومربّيًا، ومجاهدًا في سبيل الله والوطن، جمع بين العلم والجهاد في أسمى معانيهما.

خلّف وراءه أثرًا كبيرًا في قلوب الناس، وإرثًا من الشجاعة والإيمان لا يُنسى. فكان بحقّ رمزًا يُحتذى به لكل من يسعى للجمع بين نور العلم وروح الاستقلال.

لقد برهن أن العلماء ليسوا فقط مشاعل هداية في المساجد، بل أيضًا قادة في ميادين الكفاح. وكان الشيخ إسماعيل مثالًا حيًا على ذلك.
بقي اسمه محفورًا في وجدان سومطرة الشرقية، وشهادته تروى بفخر على ألسنة الأجيال. وإن لم يُمنح رسميًا لقب "بطل قومي"، إلا أن الأمة تراه كذلك في ضمائرها.

هو من أولئك الذين باعوا أنفسهم لله، فكانوا نورًا في زمن الظلام، ووقودًا لثورة لا تزال تضيء حاضر إندونيسيا الحرّة. رحمه الله ورضي عنه، وجعل مثواه الجنة.

إقرأ أيضاً

0 تعليق