رباط المانديلينغ بمكة: بيت العلم وقلب المجتمع الإندونيسي


رباط المانديلينغ بمكة: بيت العلم وقلب المجتمع الإندونيسي


في قلب مدينة مكة المكرمة المقدسة، وسط صخب ملايين الحجاج من جميع أنحاء العالم، تقع واحة تحمل معنى عميقًا لسكان سومطرة الشمالية، وخاصة عرقية المانديلينغ. يُعرف هذا المكان باسم رباط المانديلي أو رباط المانديلينغ، وهو سكن أو نزل أصبح "وطنًا" لطلاب العلم من المانديلينغ الذين ينهلون المعرفة في الأرض الحرام. وجوده ليس مجرد مكان للإقامة، بل هو أيضًا مركز للتواصل وتبادل العلم والحفاظ على قيم ثقافة المانديلينغ في الأرض المقدسة.

يعتبر رباط المانديلينغ واحدًا من العديد من الأربطة أو النزل التي أُنشئت في مكة المكرمة والمدينة المنورة من قبل مختلف الجاليات المسلمة من جميع أنحاء العالم. تتمتع هذه الأربطة بتاريخ طويل وهي جزء مهم من تقاليد العلم الإسلامي في الحرمين الشريفين. وظيفتها حيوية للغاية، حيث توفر سكنًا لائقًا وغالبًا ما توفر أيضًا مرافق الإقامة والإعاشة لطلاب العلم القادمين من مختلف البلدان لتعميق فهمهم للدين الإسلامي.

بالإضافة إلى رباط المانديلينغ، توجد أيضًا أربطة أخرى أصبحت ملاذًا لطلاب العلم والجامعات من إندونيسيا. أحدها هو رباط الجاوة، الذي يتمتع أيضًا بتاريخ طويل ويستضيف عشرات الطلاب من مختلف مناطق جزيرة جاوة. يدل وجود هذه الأربطة على مدى شغف طلاب العلم من الأرخبيل بتعميق فهمهم للدين الإسلامي من مصادره المباشرة.

كانت زيارة القنصل العام لجمهورية إندونيسيا (كونجن RI) إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في عام 2007 إحدى اللحظات الهامة التي سلطت الضوء على وجود ودور هذه الأربطة. خلال هذه الزيارة، قام القنصل العام، غاتوت عبد الله منصور، بزيارة تواصل خلال عيد الفطر إلى المشايخ والعلماء الذين يقدمون دروسًا في العلوم الإسلامية ويوفرون أيضًا مرافق الإقامة والإعاشة لطلاب العلم الإندونيسيين.

في الاجتماعات مع المشايخ والعلماء البارزين في مكة المكرمة، مثل الشيخ محمد إسماعيل الزين، والشيخ أحمد قاسم الغامدي، والسيد حامد الكاف، والأستاذ جمهوري، والسيد عباس المالكي، أعرب القنصل العام عن تقديره وشكره لهؤلاء العلماء على كرمهم ومساعدتهم الصادقة وتقديم الدروس والمرافق مجانًا لطلاب العلم الإندونيسيين. وقد رحب المشايخ والعلماء بهذه الزيارة وأكدوا أن تعليم جيل الشباب المسلم هو واجب مشترك.

بالإضافة إلى لقاء المشايخ والعلماء، خصص القنصل العام وقتًا لزيارة رباط الجاوة ورباط المانديلينغ في مكة المكرمة مباشرة. في ذلك الوقت، كان كل رباط يستضيف حوالي 35 طالبًا. وكانت هذه الزيارة تجسيدًا لاهتمام الحكومة الإندونيسية بطلاب العلم في الأرض المقدسة ووسيلة لإقامة تواصل أكثر كثافة.
خلال حوار مع الطلاب الجامعيين وطلاب العلم، أوصى القنصل العام بضرورة الحفاظ على التواصل والتقارب مع القنصلية العامة. يهدف ذلك إلى إقامة علاقة تبادلية جيدة بين ممثلية الحكومة والمواطنين الإندونيسيين في الخارج، بحيث يمكن تحسين الحماية والخدمات. كما أعرب القنصل العام عن أمله في أن يعود الطلاب بعد الانتهاء من تعليمهم إلى مناطقهم الأصلية لتطبيق وتطوير العلم الذي اكتسبوه، حتى يشعر المجتمع بفوائده بشكل مباشر.

وقد رحب الطلاب الجامعيون وطلاب العلم بهذه الزيارة التواصلية والاهتمام الذي أبدته القنصلية العامة. وأعربوا عن شكرهم على الدعم الذي تلقوه حتى الآن وعبروا عن أملهم في أن تقدم القنصلية العامة خدمات في مجال الصحة وأن يتم منحهم الأولوية للعمل كقوة عاملة موسمية خلال موسم الحج. بالإضافة إلى ذلك، قدم الطلاب في المدينة المنورة طلبًا للحصول على دعم معنوي ومادي فيما يتعلق بخططهم لعقد ندوة ليوم واحد حول الوقف في يناير 2008.

تشير البيانات خلال الزيارة إلى أن عدد طلاب العلم في رباط مكة المكرمة بلغ 185 طالبًا، بينما بلغ عددهم في رباط المدينة المنورة 40 طالبًا. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك 22 طالبًا إندونيسيًا يدرسون في جامعة أم القرى بمكة المكرمة و 128 طالبًا يدرسون في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. تعكس هذه الأرقام مدى اهتمام وشغف جيل الشباب الإندونيسي بتعميق فهمهم للدين في الأرض المقدسة.

يأتي الطلاب الذين يقيمون في الأربطة بشكل مستقل ويسعون للحصول على كفيل أو راعٍ بهوية عامل مثل سائق أو خادم أو حارس أمن أو عامل نظافة. هذه الهوية ضرورية للحصول على إقامة أو تصريح إقامة خلال فترة وجودهم في المملكة العربية السعودية. بشكل عام، لا يواجهون صعوبات كبيرة في تلبية احتياجاتهم اليومية مثل السكن والطعام، التي عادة ما يتم ترتيبها من قبل مديري الأربطة أو المتبرعين.
ومع ذلك، غالبًا ما يواجه الطلاب الجامعيون وطلاب العلم بعض الصعوبات في تلبية تكاليف تجديد تصاريح الإقامة وتكاليف الرعاية الصحية المرتفعة في المملكة العربية السعودية. وقد أصبح هذا أحد اهتمامات القنصلية العامة التي تسعى باستمرار لإيجاد حلول وتقديم المساعدة اللازمة وفقًا للإمكانيات واللوائح المعمول بها.

يلعب وجود رباط المانديلينغ والأربطة الأخرى المماثلة في مكة المكرمة والمدينة المنورة دورًا مهمًا للغاية في الحفاظ على روح العلم والأخوة بين طلاب العلم القادمين من إندونيسيا. هذه الأماكن ليست مجرد مساكن مؤقتة، بل هي أيضًا منصات لتبادل الخبرات والمعلومات وتعزيز روابط الأخوة كأبناء وطن واحد يطلبون العلم في الأرض المقدسة.

علاوة على ذلك، يعمل رباط المانديلينغ أيضًا كمركز للحفاظ على قيم ثقافة المانديلينغ في مكة المكرمة. يمكن للطلاب من المانديلينغ التفاعل مع بعضهم البعض وتبادل القصص عن وطنهم وربما تنظيم أنشطة تعزز روابط الأخوة وتذكرهم بجذورهم الثقافية. وبالتالي، يصبح رباط المانديلينغ تمثيلًا مصغرًا لسومطرة الشمالية وسط حشود المدينة المقدسة.

إن قصة رباط المانديلينغ والأربطة الأخرى في مكة المكرمة والمدينة المنورة هي انعكاس لروح المثابرة لدى طلاب العلم من إندونيسيا في سعيهم للمعرفة الدينية. إنهم على استعداد لترك أوطانهم ومواجهة مختلف التحديات في أرض أجنبية من أجل تعميق فهمهم لتعاليم الإسلام في مهده. ويعد وجود هذه الأربطة دليلًا حيًا على قوة تقاليد العلم الإسلامي في الأرخبيل والعلاقات الوثيقة بين إندونيسيا والأرض المقدسة.

لذلك، فإن وجود رباط المانديلينغ والأربطة المماثلة الأخرى يستحق الاستمرار في الدعم والاهتمام. إن دور الحكومة ومنظمات المجتمع والجهات المانحة ضروري لضمان استدامة وتحسين مرافق هذه الأربطة، حتى يتمكن طلاب العلم والجامعات الإندونيسيون من الدراسة بهدوء وتركيز أكبر في طلب العلم في مكة المكرمة والمدينة المنورة. رباط المانديلينغ ليس مجرد نزل، بل هو أيضًا جسر ثقافي وعلمي يربط سومطرة الشمالية بقلب العالم الإسلامي.
المقال الأول
0 تعليق