‏إظهار الرسائل ذات التسميات معهد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات معهد. إظهار كافة الرسائل

دور مدارس الطرق الصوفية في حضارة شمال سومطرة: منارة الروحانية ورعاية المسنين


دور مدارس الطرق الصوفية في حضارة شمال سومطرة: منارة الروحانية ورعاية المسنين


في خضم التيارات المتسارعة للعصرنة التي تجتاح مختلف جوانب الحياة، يظل دور المؤسسات التعليمية التقليدية مثل المدارس الدينية (المعاهد) ذا أهمية بالغة. ففي شمال سومطرة، وخاصة في منطقة تابانولي الجنوبية، تقف شامخة مدرسة نور الفلاح للطرق الصوفية، واحة روحانية لا تقتصر على توجيه الأجيال الشابة في فهم الدين فحسب، بل تستقبل وتمكن كبار السن (المسنين) أيضًا. لقد قدم وجود هذه المدارس الصوفية مساهمة لا تقدر بثمن في تشكيل حضارة مجتمع شمال سومطرة، خاصة في الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية.

مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع، يستمر عدد المسنين في إندونيسيا، بما في ذلك شمال سومطرة، في الازدياد. لسوء الحظ، غالبًا ما تنشأ افتراضات خاطئة بأن كبار السن، الذين تبلغ أعمارهم عادة 60 عامًا فما فوق، لم يعودوا منتجين بل وأصبحوا عبئًا على أسرهم والمجتمع. ومع ذلك، يجب إعادة النظر في هذا الرأي، خاصة بالنسبة للمسنين الذين ما زالوا يتمتعون بصحة جسدية وعقلية ممتازة. يصبح السؤال عن مدى الجهود المبذولة لرعاية هؤلاء المسنين الأصحاء تحديًا يجب الإجابة عليه بشكل جماعي.

في خضم هذه الديناميكية، تبرز المدارس الدينية كنظام فرعي للتعليم الوطني يتميز بخصائص فريدة. فبمبادئ طوعية وحكمة واحترام، تخدم المدارس الدينية وترعى كل من يأتي بنية صادقة لتعميق فهم التعاليم الدينية. في البداية، تركز المدارس الدينية بالفعل على رعاية البالغين، بمن فيهم كبار السن. ومع مرور الوقت، بدأت المدارس الدينية أيضًا في استقبال وتعليم الأطفال في سن المدرسة، لتكمل دورها كمؤسسة تعليمية شاملة.

تعد مدرسة نور الفلاح للطرق الصوفية في قرية بانومبوان، تابانولي الجنوبية، مثالًا حيًا على الدور الشامل لهذه المدارس الدينية. بناءً على دراسة أجريت في عام 2004، تبين أن كبار السن الموجودين في هذه المدرسة الدينية يأتون بوعي ورغبة ذاتية للمشاركة في أنشطة السلوك الروحي (السلوك)، وهي سلسلة من العبادات المفروضة والنافلة. بالإضافة إلى ذلك، يعملون أيضًا بنشاط تطوعًا لتلبية احتياجاتهم اليومية.

أظهرت الملاحظات الإضافية أن كبار السن في مدرسة نور الفلاح للطرق الصوفية ما زالوا يتمتعون بإمكانيات وإنتاجية عالية. إنهم قادرون على الاعتماد على أنفسهم ومساعدة بعضهم البعض، مما يثبت أن الشيخوخة ليست عائقًا أمام الاستمرار في العمل والمساهمة. يبدو أن نموذج المدرسة الدينية هذا مناسب جدًا لكبار السن في المناطق الريفية ذوي الخلفيات الثقافية الزراعية، والمستوى الاقتصادي المتواضع، والالتزام القوي بالتعاليم الإسلامية.

ومع ذلك، يثار سؤال مثير للاهتمام حول مدى ملاءمة نموذج المدرسة الصوفية هذا لكبار السن ذوي الخلفيات الاجتماعية والثقافية المختلفة. على سبيل المثال، هل سيشعر كبار السن الذين عملوا سابقًا في مجالات الصناعة أو التجارة أو كموظفين في المكاتب في المناطق الحضرية بالراحة ويحصلون على نفس الفوائد من بيئة المدرسة الدينية المليئة بالأجواء الريفية والأنشطة الدينية المكثفة؟ يتطلب هذا السؤال مزيدًا من البحث لفهم الاحتياجات والتفضيلات المتنوعة لسكان المسنين.

كبديل آخر، عُرفت دور رعاية المسنين كمكان لخدمة كبار السن، وخاصة أولئك المهملين والذين يعيشون في فقر. تدير وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات الخاصة ذات الأسس الدينية دور رعاية المسنين بشكل عام. ومع ذلك، غالبًا ما تكون دور رعاية المسنين أقل جاذبية لكبار السن من مختلف شرائح المجتمع، سواء في المناطق الحضرية أو الريفية. قد يرجع ذلك إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك الوصمة السلبية المرتبطة بدور رعاية المسنين أو عدم المرونة في تلبية الاحتياجات الفردية.

في الدول الغربية، تطور مفهوم "دار التمريض" (NH) كمزيج بين المستشفى ودار رعاية المسنين. تقدم دور التمريض خدمات صحية ورعاية أكثر شمولاً لكبار السن الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية مستمرة. كما يجب التفكير مليًا في سؤال ما إذا كان نموذج "دار التمريض" هذا مناسبًا للتطبيق في إندونيسيا كبديل لخدمة كبار السن، بالإضافة إلى مدارس الطرق الصوفية ودور رعاية المسنين.

بالنظر إلى التنوع الكبير في الخلفيات الاجتماعية والثقافية لكبار السن في إندونيسيا، يبدو أنه لا يوجد نموذج خدمة واحد يمكنه تلبية جميع احتياجاتهم. لذلك، من الضروري التفكير في إنشاء مجموعة متنوعة من المراكز أو المعاهد لرعاية كبار السن تكون أكثر ملاءمة للسياق الاجتماعي والثقافي لكل منهم، بما في ذلك الجوانب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية والبيئة المحيطة. سيكون تطوير نماذج خدمة متنوعة وشاملة لكبار السن خطوة مهمة في تحسين نوعية الحياة ورفاهية كبار السن في شمال سومطرة وعموم إندونيسيا. تظل مدارس الطرق الصوفية، بخصائصها ومزاياها الفريدة، أحد الركائز المهمة في هذا المسعى، خاصة بالنسبة لكبار السن ذوي الجذور الثقافية والروحية القوية.

معاهد السلوك الصوفي: إرث نفيس للثقافة الإسلامية في تابانولي يستحق الصون

معاهد السلوك الصوفي: إرث نفيس للثقافة الإسلامية في تابانولي يستحق الصون

تمثل معاهد السلوك الصوفي (بوندوك بارسولوكان) كنزًا ثمينًا من تراث الإسلام في منطقة تابانولي بإندونيسيا، وجب علينا جميعًا العمل على صونه والحفاظ عليه. لقد كانت هذه المعاهد على مر العصور مؤسسات عريقة في إندونيسيا لعبت دورًا محوريًا في إحداث التغيير الاجتماعي، شأنها في ذلك شأن المدارس الدينية (بيسانترين)، والمعاهد الإسلامية (داياه)، والمساجد الصغيرة (سوراو)، وغيرها من المؤسسات التعليمية التقليدية.

تأتي كلمة "بارسولوكان" في الأصل من الكلمة الملايوية "برسولوكان". وقد شهدت هذه الكلمة عملية استيطان لغوي في أرض تابانولي، حيث طرأت عليها تغييرات صوتية لتتوافق مع اللهجة المحلية، لتصبح في النهاية تُعرف باسم "بارسولوكان". هذا التحول اللغوي يعكس عمق اندماج الثقافة الإسلامية والتصوف في نسيج المجتمع التابانولي.

تعني كلمة "بارسولوكان" لغويًا المكان المخصص لممارسة نشاط "السلوك"، وهو أحد الممارسات الروحية التي استوطنت المنطقة بعد أن أصبح العديد من الشيوخ من أبناء باتاك خلفاء صوفيين في مختلف قرى تابانولي. وقد أسس هؤلاء الخلفاء معاهد السلوك الصوفي كمراكز لنشر تعاليم التصوف وتربية الروح لدى أفراد المجتمع.

لم يقتصر دور معاهد السلوك الصوفي على الجانب الروحي والعبادي فحسب، بل تجاوز ذلك ليساهم بشكل فعال في تشكيل شخصية مجتمع تابانولي، وغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية والحكم المستمدة من تعاليم الإسلام. فمن خلال الأنشطة الدينية، والدروس، والتوجيهات الروحية التي تُقام في هذه المعاهد، تربى أفراد المجتمع على الأخلاق الحميدة، والتسامح، والتكافل الاجتماعي، والاهتمام بالآخرين.

باعتبارها مؤسسات تعليمية غير رسمية، لعبت معاهد السلوك الصوفي دورًا هامًا في تطوير المعرفة الدينية. فالشيوخ والعلماء الذين يشرفون على هذه المعاهد لم يقتصروا على تدريس العبادات والتصوف، بل قاموا أيضًا بتدريس العلوم الإسلامية الأخرى مثل الفقه، والتوحيد، وتفسير القرآن الكريم. وبذلك، ساهمت هذه المعاهد في إثراء الحياة الفكرية للمجتمع وتخريج أجيال من المسلمين التابانوليين المتعلمين والذين يتمتعون بأخلاق فاضلة.

علاوة على ذلك، كان لمعاهد السلوك الصوفي دور حيوي في الحفاظ على التقاليد والثقافة المحلية في تابانولي التي تتوافق مع القيم الإسلامية. بل إن بعض هذه المعاهد أصبحت مراكز لتنمية الفنون والثقافة الإسلامية مثل فن الخط العربي، والموسيقى ذات الطابع الإسلامي، والتقاليد الشفوية التي تحمل رسائل دينية وحكمًا محلية. وهذا يدل على مدى الانسجام والتكامل بين الإسلام والثقافة المحلية في تابانولي.
ومع الأسف، تواجه معاهد السلوك الصوفي في تابانولي تحديات متزايدة في ظل التطورات العصرية وتيارات الحداثة القوية. فقد شهد بعض هذه المعاهد تراجعًا بل ويواجه خطر الاندثار بسبب قلة الاهتمام، وعدم استمرار الأجيال المتعاقبة في إدارتها، وتغير نمط حياة المجتمع الذي يبتعد تدريجيًا عن القيم التقليدية والروحية.

في حين أن معاهد السلوك الصوفي تمثل رصيدًا ثقافيًا وتاريخيًا لا يقدر بثمن لمجتمع تابانولي وإندونيسيا ككل. إن وجودها يذكرنا بجذورنا الروحية وحكمتنا المحلية التي شكلت هوية مجتمع تابانولي على مر القرون. وإذا ما اندثرت هذه المعاهد، فإننا سنفقد أثرًا هامًا من كنوز الثقافة الإسلامية الفريدة والغنية في الأرخبيل الإندونيسي.

لذلك، يصبح العمل على صون معاهد السلوك الصوفي في تابانولي ضرورة ملحة لا يمكن تأجيلها. ولا تقع مسؤولية هذا الصون على عاتق الحكومة المحلية والشخصيات الدينية فحسب، بل على جميع مكونات مجتمع تابانولي. ويتعين اتخاذ خطوات عملية لضمان استمرار وجود ودور هذه المعاهد الفعال في خضم ديناميكيات العصر.

تتمثل إحدى الخطوات الهامة في إجراء عملية إحياء للمعاهد التي تعاني من أوضاع متردية. يشمل هذا الإحياء ترميم المباني المادية، وإصلاح أنظمة الإدارة، وتطوير البرامج التعليمية والأنشطة الدينية التي تتناسب مع احتياجات المجتمع الحالية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب بذل جهود لزيادة وعي المجتمع، وخاصة جيل الشباب، بأهمية معاهد السلوك الصوفي باعتبارها تراثًا ثقافيًا وروحيًا يستحق الحماية والصون. وينبغي إدراج التثقيف بتاريخ وقيم ودور هذه المعاهد في حياة مجتمع تابانولي في المناهج التعليمية الرسمية وغير الرسمية.

كما أن دعم الحكومة المحلية في شكل سياسات وتخصيص ميزانيات أمر ضروري لدعم جهود صون معاهد السلوك الصوفي. يمكن للحكومة تقديم مساعدات مالية للترميم، وتدريب للقائمين على إدارة المعاهد، والترويج لهذه المعاهد كوجهات سياحية دينية وثقافية.

ويعد الدور الفعال للشخصيات الدينية والعلماء وشيوخ القبائل أمرًا بالغ الأهمية في جهود الصون هذه. فهم يستطيعون أن يكونوا القوة المحركة لإعادة إحياء الأنشطة في المعاهد، وتقديم التوجيه الروحي للمجتمع، والحفاظ على قيم التقاليد والحكمة المحلية التي تنطوي عليها.

ولا يقل أهمية عن ذلك المشاركة الفعالة من قبل مجتمع تابانولي نفسه. يجب تنمية وتعزيز الشعور بالانتماء والفخر بالتراث الثقافي لمعاهد السلوك الصوفي. يمكن للمجتمع المشاركة في الأنشطة التي تُقام في المعاهد، وتقديم الدعم المعنوي والمادي، ونقل المعرفة حول هذه المعاهد إلى الأجيال القادمة.

من خلال التضافر والتعاون بين الحكومة، والشخصيات الدينية، والمجتمع، ومختلف الأطراف المعنية، من المؤمل أن تستمر معاهد السلوك الصوفي في تابانولي في الازدهار والبقاء ذات صلة في خضم تطورات العصر. لن يقتصر وجودها على إثراء كنوز الثقافة الإسلامية في إندونيسيا، بل ستظل أيضًا ركيزة روحية وأخلاقية لمجتمع تابانولي، تورث القيم النبيلة والحكمة المحلية للأجيال القادمة. فمعاهد السلوك الصوفي هي آثار صوفية يجب الحفاظ عليها، وأعمدة للثقافة الإسلامية يجب صيانتها، من أجل تقدم وازدهار تابانولي في الحاضر والمستقبل.